الخميس، 2 يوليو 2015

رادي؛ قصة قصيرة لفوفغانغ بورشيرت
                                   
                                           ترجمة عن الألمانية: تاج الدين محمد
                                                                                                    








لقد كان رادي مساء اليوم معي، فقد كان أشقراً كما هو دوماً كذلك. ضاحكاً بوجهه العريض الناعم  وقد كانت عيناه كما عهدتها دوماً يعتريها الرهبة و اللاطمأنية، و كذلك كانت هناك بعض الشعيرات الشقراء التى بدت تنمو على ذقنه. كل شيء كما هو تماماً.
قلت: أنت ميت بالتأكيد!
ـــ أجل، ولكن أرجوك لا تضحك! قال مجيباً.
ـــ وعلاما ينبغي علي أن أضحك؟
ـــ "لقد كنتم تضحكون على دائماً، أنا أعرف ذلك جيداً،  في طريقنا إلى المدرسة لقد كانت شكل قدماي مضحكة وحينما كنت أتحدث مع كل الفتيات حتى اللائي لا أعرفهن، لقد كنتم تضحكون من كل هذه الأشياء، و لأنني كنت قلقاً بعض الشيئ على الدوام، أعرف ذلك جيداً."
ـــ "هل كنت ميتاً لمدة طويلة؟ سألته.
ـــ كلا، أطلاقاً... لم يتمكنوا من وضعي على الأرض كما ينبغي فسقطت في الشتاء، كل شيء كان متجمداً، كل شيء كان قوياً مثل الصخر.
ـــ "إذن لقد سقطت في روسيا... أليس كذلك؟؟"
ـــ "نعم لقد كان ذلك خلال  الشتاء الأول... لا تضحك فحسب!!... إنه ليس بالأمر اللطيف أن تلقى حتفك في روسيا... كل شيء بدا غريباَ بالنسبة لي في روسيا، الأشجار غريبة وحزينة لقد كان معظمها من فصيلة الغار. حيث كنت أرقد كانت هناك شجرة غار صاخبة و حزينة. أما الحجارة فقد كانت تتأوه أحياناً، لانها حجارة روسية فقد كانت تأن. و الغابات بدورها كانت تأن ليلاً، ﻷنها أشجار روسية على اﻷرجح. ويأن الجليد أيضاً، لانه جليد روسي... أجل كل شيء بدا غريباً... غريباً جداً."

لقد كان رادي جالساً على حافة سريري وقد كان صامتاً. قلت له: "ربما تبدو لك اﻷشياء هكذا ﻷنه كان يتوجب عليك أن تموت هناك.
نظر في وجهي قائلاً: هل تعتقد ذلك؟ كلا، أنت تعتقد ذلك.. كل شيء يبدو غريباً على نحو مريع... كل شيء."
نظر إلى ركبتيه وقال: "كل شيء غريب حتي أنا أبدو غريباً... حتى أنا !!"
أجل... لو سمحت لا تضحك... أنت السبب في قدومي الليلة أريد التحدث معك.
معي؟!
"نعم معك... أرجوك لا تضحك! معك على وجه الخصوص. أنت تعرفني جيداً أليس كذلك؟"
ــــ "لقد كنت أعتقد ذلك على الدوام."
ــــ ليس مهماً. إنت تعرفني جيداً... أعني أنت تعرف كيف تبدو هيئتي لا أعني من أكون!! تعرفني أليس كذلك؟؟
ــــ أجل، أشقر ذو وجه ممتلىء.
ــــ كلا قُلَّ وجه ناعم!! أنا أعرف إن وجهي ناعم.
ــــ أجل لديك وجهاً ناعماً و عريضاً وقد كنا نضحك عليك بسبب ذلك على الدوام.
ــــ أجل، كيف كانت عيناي؟
ــــ لقد كانت غريبة و حزينة.
ــــ كلا لاينبغي عليك أن تكذب.. لقد كانت عيناي قلقة و غير مطمئنة ﻷنني لم أكن أدري إذاما كنتم ستصدقون كل ما كنت أخبركم به عن تلكم الفتيات حينها.
ــــ هل كان وجهي ناعماً على الدوام؟؟
ــــ كلا لم  يكن كذلك ... لقد كانت لديك بعض الشعيرات الشقراء على ذقنك، لقد كنت تعتقد أن ليس بإمكان أي شخص رؤيتها ولكننا كنا نراها و نضحك... نضحك.
لقد كان رادي جالساً على حافة السرير فقام بفرك يداه على ركبتيه وقال: أجل... لقد كنت أبدو كذلك بالضبط، و من ثم نظر إلي فجاءة بعينيه القلقتين. أرجوك أسد لي معروفاً!! لا تضحك!! تعال معي!
ــــ إلى روسيا؟!
ــــ أسرع! فقط لبرهة من الوقت... ﻷنك تعرفني جيداً.

أمسك بيدي وقد كانت يداه باردة جداً كالجليد مفككة و خفيفة.
لقد كنا نقف بين شجرتي غار وقد كان هناك شيئاً خفيفاً ملقى على اﻷرض.
ـــ"تعال هنا حيث أرقد أنا" قال رادي.
لقد رأيت جمجمة بشرية مثل التي أعرفها من أيام المدرسة وبجانبها قطعة من المعدن.
قال رادي: "هذه خوذتي الحديدية لقد أصبحت صدئة بالكامل ومليئة بالطحالب".
أشار رادي بأصبعه نحو الجمجمة و قال: رجاءاً لا تضحك! هذا أنا... هل يمكنك أن تفهم ذلك؟! أنت تعرفني جيداً... قُلَّ لنفسك!! هل يمكن أن أكون هذا؟! أنت تعرف! ألا تجد ذلك غريباً بشكل مريع؟! هذا غير مألوف بالنسبة لي. لا يمكن ﻷي شخص أن يتعرف علي بعد اﻵن، لكن هذا أنا... يتوجب علي أن أقول ذلك ولكنني لا أفهم ذلك. الأمر يبدو غريباً على نحو مريع. كل ما كنته من قبل ليس له أدني علاقة بما أنا عليه الآن... أرجوك لا تضحك!! ولكن اﻷمر كله يبدو غريباً بالنسبة لي... غامض... بعيد.
جلس رادي على اﻷرض المظلمة ونظر لنفسه بأسى.
ـــ هذا ليس له أدنى علاقة بما كان عليه من قبل. لاشيء لاشيء أطلاقاً.
بعدها رفع رادي شيئاً ما من اﻷرض المظلمة بأطراف أصابعه، رفع الشيء عالياً و من ثم بدأ بشمه.
"غريب غريب جداً" قال رادي هامساً ومد لي حفنة التراب، لقد كانت مثل الجليد، مثل يده التي أمسكني بها. باردة جداً، مفككة وخفيفة جداً.

"شُمها!!" قال رادي.
فقمت بإستشاقها بعمق و من ثم قلت : تربة.
 ـــ و ماذا؟؟ قال رادي.
ــــ "حامضة قليلاً و مرة بغض الشيء تربة مثالية"
ــــ لكنها غريبة غريبة جداً و مثيرة للإشمئزاز مع ذلك، أليس كذلك؟
إستنشقت التربة بعمق لقدكانت باردة، مفككة وخفيفة... حامضة قليلاً و مُرَّة بعض الشيء.
ــــ " رائحتها طيبة مثل التربة" قلت.
ــــ أليست غريبة و مثيرة للإشمئزاز؟؟" قال رادي متسائلاً وهو ينظر إلي بعينيه القلقتين: رائحتها مثيرة للإشمئزاز.
ــــ كلا، كل تربة تفوح منها نفس الرائحة"
ــــ كلها تفوح منها مثل هذه الرائحة!! قال رادي متسائلاً .
ـــــ "أجل، كلها"
أستنشق بعمق و حشر أنفه في يده المليئة بالتراب بدا بشمها، ثم نظر بناحيتي: أنت محق، إن رائحتها ربما تكون جيدة ولكن تبدو غريبة مع ذلك، عندما أفكر أنه أنا الذي يرقد هناك."
جلس رادي على اﻷرض بدا بشم التراب وقد نسي وجودي معه وأستمر في شم التراب ولكنه بدأ بإستخدام كلمة "غريب" على نحو أقل.


عندما عدت إلى البيت على أمشاطي قدماي  كانت عقارب الساعة تشير إلي الخامسة و النصف صباحاً. لقد بدت التربة واضحة من خلال الجليد لقد كانت باردة مفككة و خفيفة ذات رائحة فوَّاحة. فتوقفت و أخذت نفساً عميقاً: إن رائحتها طيبة يا رادي... قلت هامساً، إن رائحتها طيبة حقاً... تربة مثالية...  يمكنك أن ترقد بسلام.

الاثنين، 15 يونيو 2015

رفيقي الشاحب



رفيقي الشَّاحب
فولفغانغ بورشيرت
ترجمة عن اﻷلمانية: تاج الدين محمد


لم يكن هناك شيئاَ  قط  يُضاهي بياض هذا الجليد. لقد كان أقرب إلى اللون  الأزرق المائل للإخضرار. أبيضٌ بصورة بشعة. فالشمس ذاتها لم تجرؤ على الإصفرار بسبب هذا البياض. لم يكن هناك قط صباحاَ من صباحات الأحاد أكثر صفاءاَ مثل صباح هذا الأحد. فقط هناك في الخلف غابة زرقاء مظلمة. أما الجليد فقد كان جديداَ و صافياَ مثل مقلة حيوان. لم يُري يوماَ جليداَ بمثل هذا البياض في صباح هذا الأحد. ولم يكن هناك صباح أحد يضاهي صباح هذا الأحد صفاءاَ... ضحك العالم .., العالم الجليدي ... عالم الأحد.  ولكن في مكان ما كانت هناك ثمة لطخة... شخصٌ ما يرقد على الجليد. ساقاه  مسحوبتان إلى بطنه وقد كان يرتدي زياَ عسكرياَ لقد كان  مجرد حزمة من العظام  والجلد مدثرة بالخرق و الأثمال المليئة بالدماء الجافة. شعره كان هامداَ هامداَ مثل باروكة. صرخ صرخته الأخيرة و هو منحني، ربما كان يصلي للجليد على أرجح. جندي ... لطخة من الدماء  على جليد لم يرى مثله من قبل في صباح أحد أكثر صفاءاَ من أي صباح.  أجواء الحرب توبيخ جاذب للألوان المائية.
 دماءٌ وجليدٌ وشمس... صقيعٌ قارصٌ مترعٌ بالدماء الدافئة ... الشمس العزيزة في كل  الأنحاء... شمسنا العزيرة... كل أطفال العالم يرددون: الشمس العزبزة... الشمس العزيزة ستشرق على الموتي، الذين يصرخون صرخات  الغير مسموعة لكل الدمى الميتة. الصرخات الصامتة ... الصامتة على نحو مروع. 

ـــ أنهض أيها الرفيق الشاحب! من منا يمكنه إحتمال صرخات الدمى الصامتة  وقد نزعت من خيوطها لتكون ملقاة بشكل سخيف على المسرح. يا للهول!! من منا يمكنه إحتمال صرخات الموتى الصامتة. فالجليد وحده يمكنه إحتمال ذلك و كذلك الشمش... الشمس العزيزة.
أمام الدمية الممزقة كانت هناك دمية أخرى مازالت تتحرك. أمام الجندي الميت يقف أحد الجنود الأحياء. في صباح كصباح هذا الأحد في جليد أبيض لم يري من قبله مثيل ألقى الجندي الواقف على الجندي الراقد هذا الخطاب الصامت... الصامت على نحو مفزع: 

ــــ مرحى، مرحى، مرحى . الآن هذه هي نهاية روحك المرحة يا عزيزي ــــ روحك المرحة أبداَ... الآن لا يمكنك أن تتفوه بأي شيء... لماذا؟؟ الآن لايمكنك أن تضحك مجدداَ. لو تعلم حبيبتك كم هو بائساَ منظرك الآن يا عزيزي!! تبدو  مثيراَ للشفقة بدون روحك المرحة. كم هو غريب وضعية جسدك هذه . لما سحبت ساقيك إلى بطنك؟؟  الآن أفهم، لقد إخترقت إحداهن بطنك، لقد لطخت نفسك بالدماء . تبدو مقرفاَ...  بزتك ملطخة ببقع سوداء كبقع الحبر.
من الجيد يا عزيزي أن حبيبتك لا يمكنها رؤية ذلك لطالما كنت دائماَ هكذا في بزتك العسكرية، ربطة الخصر كانت مهمة جداَ بالنسبة لك. عندما صرت جنرالاَ، كنت مازلت تنتعل حذاء الجنود، تقضي ساعات طويلة في تلميعهما، عندما كنت تذهب  إلى المدينة عند المساء. ولكن الآن ليس بمقدورك الذهاب إلى المدينة مجدداَ. الآن تهجرك حبيبتك و تهب نفسها لآخرين، لأنك غير قادر على الذهاب مجدداً... هل تفهمني؟؟ ليس بعد اليوم يا عزيزي!! ليس بإمكانك أن تضحك مجدداَ في غياب روحك المرحة. الآن ترقد هناك وكأنك لا تستطيع أن تحسب حتى الرقم ثلاثة. هل يمكنك أن تحسب حتى ثلاثة؟؟ هذا بائس!! بائس جداَ يا عزيزي. و لكن إنه لأمر جيداً جيد هكذا! حيث لا يمكنك أن تنعتني بــ " رفيقي الشاحب ذو الجفن المعلق" 
 ليس بعد الآن يا عزيزي!! من الآن فصاعداَ. ولايمكن للآخرين أن يهللوا لك لقاء هذا الأمر، ليس بمقدور الآخرين أن يضحكوا علي , أنت تنعني  بـ" رفيقي الشاحب ذو الجفن المعلق" هذا يعني الكثير... هل تدري ذلك؟؟  يعني الكثير بالنسبة لي... هذا كل ما يمكنني قوله.
لقد أذقتني الأمرين منذ أن كنا في المدرسة، لقد كنت تجلس على رأسي مثل القمل. لأنني كنت أعاني من بعض الخلل في عيني، جفني كانت تسقط للأسفل. لأن بشرتي كانت بيضاء جداَ كالجبن كنت دائماَ تقول لي: "رفيقنا الشاحب يبدو منهكاَ اليوم". الصبايا كن يتسآلن إذا ما كنت نائماَ حقاَ، و كن دائماَ ينعتنني بالنعسان. أجل لقد كنت نعساناَ لكنني الآن أود أن أعرف، من هوالنعسان منا الآن أنت أم أنا ؟؟ أنت أم  أنا ؟؟ من يا عزيزي "الرفيق الشاحب ذو الجفن المعلق" من منا أنت أم أنا ؟؟
عندما أغلق باب القبو خلفه، أتت درزينة من الوجوه الشاحبة نحوه قادمة من الركن. لقد  كان أحدهم يتبع للشاويش: ـــ هل عثرت عليه يا سيدي الملازم؟ سأله أحد الوجوه  الشاحب’ لقد كان شاحباَ بصورة مفزعة.
ــ أجل  بالقرب من شجرة التنوب رصاصة في البطن. هل ينبغي علينا جلبه؟
ـــ أجل بالقرب شجرة التنوب... أجل بالـتأكيد يجب علينا جلبه.
 أختقت درزينة الوجوه الشاحبة. جلس الملازم على موقد القصدير يزيل القمل...  بالضبط كما بالأمس. بالأمس كذلك كان يزيل القمل. لقد كان على أحدهم أن يرفع تقريراَ للكتيبة. ومن الأفضل أن يكون الملازم نفسه. حينما كان يرتدي قميصه سمع صوت إطلاق نار لم يسمع مثله من قبل. عندما فتح الفرد المستطلع الباب مجدداَ. رأي الظلام. لم يشهد قط ليلاَ بمثل هذه الظلمة. رأي الضابط الأدني منه رتبةَ هلير لقد كان يغني وهو يحكي عن رحلة قام بها لزيارة حبيبته. بمزاجه الرائق دوماً قال هيلر:
ــ لا يمكنني الذهاب إلى الجبهة سيدي الملازم !! فأنا أطالب بمضاعفة حصتي من الطعام أولاً. يمكنني أن أعزف الأكسليفون على ضلوعك. هذا مروع جداً!!  تبدو مريعاً للغاية. 
هذا ما قاله هيلر. إبتسم كل الجنود الحاضرين في تلك الظلمة. قال الملامم: ـــ شخص ما ينبغي عليه الذهاب لتفقد أحوال الكتيبة أما أنت يا  هيلر ماذا لو هدئت من إندفاعك هذا!!
حاضر سيدي!!  قال هيلر مجيباَ.
هذا كل ما قاله هيلر... لا يمكن للمرء أن يقول أكثر من هذا ثم غادر بعدها هيلر و لم يعد.
رفع الملازم قميصه إلى رأسه، لقد سمع الملازم أصواتهم وهم يعودون بهيلر.
ــــ ليس بأمكانه أن ينعتني مجدداَ بـ" رفيقي الشاحب ذو الجفن المعلق". كان الملازم يقول ذلك بصوت مهموس. لأ يمكنه قول ذلك بعد الآن. فلاحت  قملة في ظفر أصبعه الأكبر... صوت طرقعة ...ماتت القملة. ثم  كانت هناك بقعة من الدم على جبينه.

الأربعاء، 27 مايو 2015

الخبز: قصة قصيرة
تاليف: فولفغانغ بورشيرت

كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية و النصف صباحاً.. إستيقظت من نومها فجاءة.. تسآلت ما الذي أيقظها؟! إستدركت إن شخصاً ما قد إصطدم بالكرسي في المطبخ، أرخت بسمعها بناحية المطبخ، لقد كان هادئاً.. هادئاً تماماً وعندما مدت يدها لتتحسس السرير بجانبها وجدته فارغاً... إنه هو !! اﻷمر الذي جعل المكان هادئاً بشكل غير معتاد، لقد كان صوت أنفاسه مفقودة. نهضت وخطت من خلال الشقة المظلمة بإتجاه المطبخ.
  تقابلا في المطبخ.                                                                     
لقد كانت الساعة الثانية و النصف صباحاً.. رأت شيئاً أبيضاً يقف بجانب خزانة المطبخ.. أشعلت الضوء
كانا يقفان بمواجهة أحدهما اﻵخر كلاهما بقميص النوم.. ليلاَ عند الثانية و النصف صباحاً في المطبخ.
رأت طبق الخبز على المائدة وقد قطع لنفسه شرائح من الخبز .. لايزال السكين ملقى بجانب الطبق وفتات الخبز ملقى على قماش المائدة.
لقد كانت دائما تقوم بتنظيف قماش المائدة قبل أن يذهبا إلى الفراش كل ليلة.. أما اﻵن هناك فتات الخبز على القماش والسكين أيضاً ملقى. أحست ببرد اﻷرضية يزحف صاعداً إلى جسدها فأشاحت ببصرها عن الطبق.
ـــ "لقد خلتُ إن شيئاً ما هنا"
قالها و هو ينظر حوله في المطبخ..
-”لقد سمعت شيئاً ما"ـــ
قالتها حينها قد بدا لها شخصاً طاعناً في السن ليلاً بقميص النوم ، عجوزاً كما هو في حقيقة الأمر..ثلاثة وستون عاماً، لكنه يبدو شاباً في النهار أحياناً.
هي بدورها قد بدت له طاعنة في السن بقميص النوم. ولكن ربما يكمن السبب في شعرها، بالنسبة للسيدات يكمن اﻷمر دائماً في شعرهن هو ما يجعلهن فجاءة يبدين طاعنات في السن ليلاً.
ــ "كان ينبغي عليكي أن تنتعلي شيئاً بأقدامك الحافية هذه مع هذه اﻷرضية الباردة ستصابين بالبرد"
لم تكن تنظر إليه ﻷنها لاتستطيع أن تحتمله وهو يكذب بعد مرور  تسع وثلاثين عاماً على زواجهما.
 ــ "لقد خلتُ إن شيئاً ما هنا"  قالها وهو ينظر مجدداً من ركن إلى آخر بلا معنى.
ـــ أنا أيضاً سمعت صوتاً ولكنه لاشيئ على اﻷرجح.
رفعت الطبق من المائدة ونفضت فتات الخبز من قماش المائدة.
ــ "أجل! لاشيء على الأرجح"  مردداً ذلك بشكل متردد قليلاً.
قدمت لمساعدته: "هيا لابد إنه شيئاً بالخارج..هيا إلى الفراش ستصاب بالبرد مع هذه اﻷرضية الباردة".
نظر من خلال النافذة.. ـــ" نعم لابد إنه كان بالخارج لقد خلته هنا".
رفعت يدها لمفتاح المصباح.. ــ "يجب على أن أطفيء المصباح و إلا سأنظر إلى الطبق لا أكاد أحتمل النظر إلى الطبق" قالتها وهي تطفيء المصباح.
ــ "هيا .. لابد إنه بالخارج فالمزراب يرتطم دائماً بالجدار عندما تهب الرياح، بالتأكيد المزراب هو سبب هذا الصوت".
ــ "الرياح تهب .. لقد كانت تهب طوال الليل"
قال هو...
خطا كلاهما عبر الرواق المظلم إلى غرفة النوم و اقدامها الحافيتان تحتكان باﻷرضية..
عندما إستلقياعلى السرير قالت: "نعم إنها تهب .. لقد كانت تهب طوال الليل.إنه المزراب على اﻷرجح"
ــ "نعم ، لقد ظننت إنه في المطبخ، لكن إنه المزراب على اﻷرجح" قالها وقد بدا عليه النعاس.
لكنها لاحظت كيف يتغير صوته عندما يكذب.
ــ "أنا أشعر بالبرد فأنا أتقلب في الفراش" قالتها وهي تتثاءب بهدوء.
ـــ"أتصبح على خير"
ـــ"تصبحين على خير" و أضاف: "إن الجو بارد حقاً"
بعد عدة دقائق من السكون سمعت صوته وهو يمضغ بحذر وهدوء..تنفست بهدوء وبشكل منتظم حتى لا يلاحظ إنها ما زالت مستيقظة ولكن مضغه كان منتظماً لدرجة إنها غلب عليها النعاس بسبب ذلك.
عندما عاد إلى البيت في المساء التالي ، دفعت إليه بأربع شرائح من الخبز ،قبلها لم يكن بإمكانه إلتهام سوى ثلاثة شرائح فقط.
ــ"هيا يمكنك أن تأكل اﻷربع شرائح"
قالتها وهي تبتعد عن ضوء المصباح.
ـــ "لايمكنني أكل كل هذا الخبز .. هيا كُل واحدة أضافية"
رأت إنه قد أحني راسه على الطبق ولم يرفعها عندها شعرت باﻷسي إزاءه.
لايمكنك تناول شريحتين فقط" "
قالها وهو يكلم الطبق الذي امامه.
أجل، عندما ياتي المساء لايمكنني هضمه جيداً فكل إذاً

وفما كانت فقط  برهة من الوقت حتى جاءت وجلست على ضوء المائدة.

الجمعة، 21 يونيو 2013

إنــــــــــــــــزياح: (مُغامرةُ المَعنى)

"الِكتابةُ تَفريغٌ للذَّاكرةِ من العَطنِ المٌتراكمِ بِفعلِ فَضيحةِ الحَياةِ"



عَلى مَسرحِ اللاَ معقولِ ___
يَنسابُ طَنينُ الكَمنجاتِ القَديمةِ؛
لِترتقِ ذَاتكَ البالية بخرقاتِ المُوسيقى...
وأنتْ تَشحذُ رِماحكَ المُحدبةِ،
لتنسمَ تلةَ الحقيقةِ الدَّبقةِ،
دُونما إِكتراثٍ لَعطنِ العَناصرِ.

الشَّمسُ عذراءُُ خجولة،
تُذيبُ جليدَ العَتمةَ الكالحَ البَياضِ...
و تَستنجدُ بِذراتِ المطرِ الرَّماديةِ.
لتعانقِ اﻷرضَ بأذرعها العُشبيةِ
ما علاها من سَماءٍ.

مُحازيةً خط التناهي/
تَرفلُ ذَاتكَ المُترهلةِ
وبِنهمٍ صَحراوي تَلتهمُ (صِراصيراً)
أثقلْت كاحلها التََّمائمُ والقرابينُ
دونما لباقةٍ تُنجيكَ مِنْ وَحلِ المَواسمِ
أَيها الطافحُ عنْ الكأسَ!!
أَما زلتْ تقتاتُ عَلى تَهويماتكَ الشَّائهةَ؟!


ليسَ منْ العِارِ أنْ تقفَ مكتوفاً اﻷيدِي إزاءَ ما يتَعرضُ له بشريُ الكوكبِ من هدر، بل العَارُ أنْ تحتفي بإعتباطيةِ إنتماؤكْ لهذا الكَوكبِ.

الخميس، 13 يونيو 2013

قُصاصات...



الضُوءُ يحرضكْ
عَلى إِعتيادِ الصَّحوِ،
فَيُحيلكْ إِلى سَوادٍ، يُثنيكْ
عَنْ إِكتناهِ مَا هُو آتٍ...
هَا أَنتْ ذا تِنثالُ طَازجاً؛
كَما الهُيولِي بين أَصابعُ
(إنليل) المرتعشة؛
تُقبلُ كُلَّ المَجراتِ
وتمسح بِأناملكَ المعدنيةِ
عَانةِ اﻷَرضِ الكَثةِ؛
فَيقشعرُ مَا فِي بَاطنهَا
لِتقذفناْ بِفاكهةِ الَمللِ...

الثلاثاء، 11 يونيو 2013

لِلنوافذِ أَلاعيبهَا أَيضَاً...

إِنهَا المَشيئاتُ...
َصبايَا نُعاسِ اﻵلهةِ؛
نُعابُ غُربانِ الخَطيئةِ،
حَيثُ عَصافيرُ اﻷَبديةِ تَغتسلُ مِنْ عَوالقِهَ،
تَنفضُ رِيشَهَا مِنْ رُكامِ الرََّحيلِ.

تَحت وِسادتِي حِفنةٌ مِنْ القُبلاتِ؛
إِحتفظُ بِهِا دَافئةٌ لِحبيبتِي،
ونِصالٌ مِنْ تَمائِمِ الحَداثةِ
ﻷَبْقرَ بِها بطونِ مَنْ سَطوا عَلى النَّصِ.
إِذْ كَيفَ لِلغةِ أنْ تَحبلُ بِدلالةٍ
و الَمدلولاتُ تَتهشمُ؟!
إذْ كَيفَ للبَشري أنْ يَقوى عَلى اﻹِنتظارِ
و رَوزنامةُ الحياةِ تأنُ مِنْ وَطأةِ المَواعيدِ؟!
و لِذاكرتِي الخَرقاء خَطاطيفٌ مِنْ العُشبِ
وخَوازيقٌ شُحذتْ عَلى عَجلٍ

ليسَ بِمقدورِ النوَافذِ وَحدهَا أنْ تَفتحنِي عَلى المَنفى،
فَللنوافذِ أَلاعيبهَا أَيضاً؛
و كُل ما يَحرضٌ المَكانَ على الصراخِ...

الآنَ فقط أَرى طَرقعةٌ فِي رَأسِي؛
و أَرى دَمي يتخثرُ،
فأمضِي إلى قَبرِي
مُعفراً بالقُبلاتِ والصَّفعاتِ.

الخرطوم 8 يونيو 2013

السبت، 8 يونيو 2013

بيبلوغرافيا الحنين للوطن


الظُلْمةُ تَتسللُ لِواذاً كَيْما تَتَفَادَى سُقُوطَهَا المُسْتَمِرِ فِي لُجْةِ الضُوءِ المُحْتَقِنِ، مُتْرَّنِحَةً تَبْتَعِدُ جَحَافِلُ العَتْمَةِ وهِي تَلعقِ بَقايْا السائل ذا طِلاءٍ أحمرٍ الذيْ تَسميهِ دَماً، وهُناكَ فِي أقصىْ أَركانِ الضَحالةِ تهَشماً تُنقسمُ جُزيئاتِ الضُوءِ عَلىْ نَفسها فِي شَبقٍ لا يَنتهَي. ِبأسنانٍ دَاميةٍ تهتزُ أُنثَى الأُوكسجينَ، كَيما يَتدفقُ الهُيولِي واهباً بَعضَ الحياةِ لَكائنٍ، يأبى الإ أنْ يكونَ.

الرحيل سردابك الأبدي، الذي يفضي بك الى عشق لم يصل طور التسكع بعد، وتعود معتمراً أحلام قديمة، تلعن كل ما أختزنته أناك المتهتكة من أمنيات... مستغرقاَ في تمزيق قصاصات حظك الممددة على سريرك الرمادي الإطار تستجدي فوتونات اللانهاية ليتجلى لك العالم بذئبيته المعهودة.

وأنت فِي طريقك المَخضبِ بِلونِ الشِتاءِ المَعدنَي، تَخترقُ فَراغَ العاطلينِ عَنْ حَياةِ والمُضربينَ عَن العشقِ، تَرفعُ قَبضةِ يدك المتخشبة في وجه الأيدولوجيا فاتحاً أزرار صدرك اليافع للرصاصات النيكوتين المؤكسد. ملل أرجواني الوجه والكفين يتهادى في الليل كما الصوفي يرفع رأسه نحوالفراغ المتجشأ، وفي الجانب المعتم من ذاتك فرغ الرجال لتوهم من إغتصاب أنثى الكركدن، أنت تدرك في غرارة نفسك إنك ليس لك الحق في الأقتراب، لكنك لا تستطيع أن تشيح ببصرك عنهم، بعد أن جلست طوال كهولتك تتكئ على أشلاء تسميها وطن، اما آن الأوان لتترجل؟!.