الخميس، 2 يوليو 2015

رادي؛ قصة قصيرة لفوفغانغ بورشيرت
                                   
                                           ترجمة عن الألمانية: تاج الدين محمد
                                                                                                    








لقد كان رادي مساء اليوم معي، فقد كان أشقراً كما هو دوماً كذلك. ضاحكاً بوجهه العريض الناعم  وقد كانت عيناه كما عهدتها دوماً يعتريها الرهبة و اللاطمأنية، و كذلك كانت هناك بعض الشعيرات الشقراء التى بدت تنمو على ذقنه. كل شيء كما هو تماماً.
قلت: أنت ميت بالتأكيد!
ـــ أجل، ولكن أرجوك لا تضحك! قال مجيباً.
ـــ وعلاما ينبغي علي أن أضحك؟
ـــ "لقد كنتم تضحكون على دائماً، أنا أعرف ذلك جيداً،  في طريقنا إلى المدرسة لقد كانت شكل قدماي مضحكة وحينما كنت أتحدث مع كل الفتيات حتى اللائي لا أعرفهن، لقد كنتم تضحكون من كل هذه الأشياء، و لأنني كنت قلقاً بعض الشيئ على الدوام، أعرف ذلك جيداً."
ـــ "هل كنت ميتاً لمدة طويلة؟ سألته.
ـــ كلا، أطلاقاً... لم يتمكنوا من وضعي على الأرض كما ينبغي فسقطت في الشتاء، كل شيء كان متجمداً، كل شيء كان قوياً مثل الصخر.
ـــ "إذن لقد سقطت في روسيا... أليس كذلك؟؟"
ـــ "نعم لقد كان ذلك خلال  الشتاء الأول... لا تضحك فحسب!!... إنه ليس بالأمر اللطيف أن تلقى حتفك في روسيا... كل شيء بدا غريباَ بالنسبة لي في روسيا، الأشجار غريبة وحزينة لقد كان معظمها من فصيلة الغار. حيث كنت أرقد كانت هناك شجرة غار صاخبة و حزينة. أما الحجارة فقد كانت تتأوه أحياناً، لانها حجارة روسية فقد كانت تأن. و الغابات بدورها كانت تأن ليلاً، ﻷنها أشجار روسية على اﻷرجح. ويأن الجليد أيضاً، لانه جليد روسي... أجل كل شيء بدا غريباً... غريباً جداً."

لقد كان رادي جالساً على حافة سريري وقد كان صامتاً. قلت له: "ربما تبدو لك اﻷشياء هكذا ﻷنه كان يتوجب عليك أن تموت هناك.
نظر في وجهي قائلاً: هل تعتقد ذلك؟ كلا، أنت تعتقد ذلك.. كل شيء يبدو غريباً على نحو مريع... كل شيء."
نظر إلى ركبتيه وقال: "كل شيء غريب حتي أنا أبدو غريباً... حتى أنا !!"
أجل... لو سمحت لا تضحك... أنت السبب في قدومي الليلة أريد التحدث معك.
معي؟!
"نعم معك... أرجوك لا تضحك! معك على وجه الخصوص. أنت تعرفني جيداً أليس كذلك؟"
ــــ "لقد كنت أعتقد ذلك على الدوام."
ــــ ليس مهماً. إنت تعرفني جيداً... أعني أنت تعرف كيف تبدو هيئتي لا أعني من أكون!! تعرفني أليس كذلك؟؟
ــــ أجل، أشقر ذو وجه ممتلىء.
ــــ كلا قُلَّ وجه ناعم!! أنا أعرف إن وجهي ناعم.
ــــ أجل لديك وجهاً ناعماً و عريضاً وقد كنا نضحك عليك بسبب ذلك على الدوام.
ــــ أجل، كيف كانت عيناي؟
ــــ لقد كانت غريبة و حزينة.
ــــ كلا لاينبغي عليك أن تكذب.. لقد كانت عيناي قلقة و غير مطمئنة ﻷنني لم أكن أدري إذاما كنتم ستصدقون كل ما كنت أخبركم به عن تلكم الفتيات حينها.
ــــ هل كان وجهي ناعماً على الدوام؟؟
ــــ كلا لم  يكن كذلك ... لقد كانت لديك بعض الشعيرات الشقراء على ذقنك، لقد كنت تعتقد أن ليس بإمكان أي شخص رؤيتها ولكننا كنا نراها و نضحك... نضحك.
لقد كان رادي جالساً على حافة السرير فقام بفرك يداه على ركبتيه وقال: أجل... لقد كنت أبدو كذلك بالضبط، و من ثم نظر إلي فجاءة بعينيه القلقتين. أرجوك أسد لي معروفاً!! لا تضحك!! تعال معي!
ــــ إلى روسيا؟!
ــــ أسرع! فقط لبرهة من الوقت... ﻷنك تعرفني جيداً.

أمسك بيدي وقد كانت يداه باردة جداً كالجليد مفككة و خفيفة.
لقد كنا نقف بين شجرتي غار وقد كان هناك شيئاً خفيفاً ملقى على اﻷرض.
ـــ"تعال هنا حيث أرقد أنا" قال رادي.
لقد رأيت جمجمة بشرية مثل التي أعرفها من أيام المدرسة وبجانبها قطعة من المعدن.
قال رادي: "هذه خوذتي الحديدية لقد أصبحت صدئة بالكامل ومليئة بالطحالب".
أشار رادي بأصبعه نحو الجمجمة و قال: رجاءاً لا تضحك! هذا أنا... هل يمكنك أن تفهم ذلك؟! أنت تعرفني جيداً... قُلَّ لنفسك!! هل يمكن أن أكون هذا؟! أنت تعرف! ألا تجد ذلك غريباً بشكل مريع؟! هذا غير مألوف بالنسبة لي. لا يمكن ﻷي شخص أن يتعرف علي بعد اﻵن، لكن هذا أنا... يتوجب علي أن أقول ذلك ولكنني لا أفهم ذلك. الأمر يبدو غريباً على نحو مريع. كل ما كنته من قبل ليس له أدني علاقة بما أنا عليه الآن... أرجوك لا تضحك!! ولكن اﻷمر كله يبدو غريباً بالنسبة لي... غامض... بعيد.
جلس رادي على اﻷرض المظلمة ونظر لنفسه بأسى.
ـــ هذا ليس له أدنى علاقة بما كان عليه من قبل. لاشيء لاشيء أطلاقاً.
بعدها رفع رادي شيئاً ما من اﻷرض المظلمة بأطراف أصابعه، رفع الشيء عالياً و من ثم بدأ بشمه.
"غريب غريب جداً" قال رادي هامساً ومد لي حفنة التراب، لقد كانت مثل الجليد، مثل يده التي أمسكني بها. باردة جداً، مفككة وخفيفة جداً.

"شُمها!!" قال رادي.
فقمت بإستشاقها بعمق و من ثم قلت : تربة.
 ـــ و ماذا؟؟ قال رادي.
ــــ "حامضة قليلاً و مرة بغض الشيء تربة مثالية"
ــــ لكنها غريبة غريبة جداً و مثيرة للإشمئزاز مع ذلك، أليس كذلك؟
إستنشقت التربة بعمق لقدكانت باردة، مفككة وخفيفة... حامضة قليلاً و مُرَّة بعض الشيء.
ــــ " رائحتها طيبة مثل التربة" قلت.
ــــ أليست غريبة و مثيرة للإشمئزاز؟؟" قال رادي متسائلاً وهو ينظر إلي بعينيه القلقتين: رائحتها مثيرة للإشمئزاز.
ــــ كلا، كل تربة تفوح منها نفس الرائحة"
ــــ كلها تفوح منها مثل هذه الرائحة!! قال رادي متسائلاً .
ـــــ "أجل، كلها"
أستنشق بعمق و حشر أنفه في يده المليئة بالتراب بدا بشمها، ثم نظر بناحيتي: أنت محق، إن رائحتها ربما تكون جيدة ولكن تبدو غريبة مع ذلك، عندما أفكر أنه أنا الذي يرقد هناك."
جلس رادي على اﻷرض بدا بشم التراب وقد نسي وجودي معه وأستمر في شم التراب ولكنه بدأ بإستخدام كلمة "غريب" على نحو أقل.


عندما عدت إلى البيت على أمشاطي قدماي  كانت عقارب الساعة تشير إلي الخامسة و النصف صباحاً. لقد بدت التربة واضحة من خلال الجليد لقد كانت باردة مفككة و خفيفة ذات رائحة فوَّاحة. فتوقفت و أخذت نفساً عميقاً: إن رائحتها طيبة يا رادي... قلت هامساً، إن رائحتها طيبة حقاً... تربة مثالية...  يمكنك أن ترقد بسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق